Tuesday, May 24, 2011

العصور المتأخرة

العصور المتأخرة


1085 ـ 332 قبل الميلاد من القرن 11- 4 قبل الميلاد

لاشك أن عوامل انهيار الدولة الحديثة قد أثرت على التوازن الحضاري ، وجلبت معها الانهيار للبلاد ، وانتقال الحكم من الأسرة العشرين الى الاسرة الحادية والعشرين بعد وفاة رمسيس الحادي عشر ، وانـقسم حكم مصر من جديد إلى جزئين أو دولتين ، دولة في الشمال يحكمها سمندس وعاصمتها تانيس (صا الحجر) في شرق الدلتا ، ودولة في الجنوب يحكمها حريحور وعاصمتها طيبة .

وقد حكمت الأسرة الحادية والعشرين نحو 150 عاما ، وأنتقل العرش بعد وفاة سمندس الى بسوسينس الأول الذي أستمر عهده نصف قرن تقريبا في تانيس ، وفي طيبة كان خليفة حريحور هو أبنه بعنخي الذي فضل الأحتفاظ باللقبين الكهنوتي ونائب الملك في كوش وتنازل عن الألقاب الملكية ، ولم يسمح بوضع اسمه داخل الخرطوش الملكي .

وقد أستطاع بسوسينس الأول من أن يوثق العلاقات الودية بين البيتين الحاكمين في تانيس و طيبة ، وذلك بزواج إبنته ماعت كارع من أكبر أولاد الكاهن بعنخي المدعو بانجم ، وهو الذي خلف أبيه في وظيفة الكاهن الأكبر لأمون ، واصبح ملكا على طيبة وبعد وفاته تولى إبنه (ماساهرتا) ومن بعده اخوه (من خبر رع) في وظيفة الكاهن الأكبر لأمون .

وفي تانيس تولى الحكم بعد الملك بسوسينس الأول ملك يدعى نفر كارع ، وجاء بعده الملك (أمون أم أبت) ، وتنتهي الأسرة بحكم الملك بسوسينس الثاني .

قد اصطلح الباحثون على هذه الفترة من تاريخ مصر بالعصر المتأخر ، لما أصاب البلاد من تدهور سياسي وثقافي واقتصادي نتيجه الخمول والأنتكاس والتراجع ، وظلت البلاد تعاني مرارة الفوضى والأنقسام حتى قام شيشنق الاول وهو أحد الزعماء الليبين بتأسيس الأسرة الثانية والعشرين .

وقد خطط شيشنق الأول للأستيلاء على عرش مصر دون سفك دماء ، فتمكن من أن يزوج أبنه الأمير (وسركون) الى الأميرة (ماعت كارع) إبنة بسوسينس الثاني أخر ملوك الأسرة الحادية والعشرين ، وبهذا وطد شيشنق علاقته بالبيت المالك ، وتولى عرش مصر بعد وفاته وأسس الأسرة الثانية والعشرين .

لم يعتبر المصريين هذا الحاكم الجديد يمثل سيطرة اجنبية ، فقد تمصر الليبيون وأستقرت جاليتهم في أهناسيا والفيوم و تل بسطة ، أما طيبة فترددت بالتسليم بسلطان شيشنق ، ولهذا أضطر الملك الجديد أن يعين إبنه (إيوبوت) في منصب كبير كهنة الأله أمون ، وبهذا أصبحت مصر كلها تحت رايته .

وبعد وفاة شيشنق الأول تولى ابنه (وسركون الأول) عرش مصر ، وعين وسركون ابنه شيشنق ايضا في منصب كبير كهنة أمون بدلا من أخيه إيوبوت وذلك لتظل وراثة العرش في عائلة وسركون الأول .

وفضل شيشنق أن يضع إسمه داخل الخرطوش الملكي وأن يتعامل معاملة الملوك ، وأستطاع ان يورث منصبه من بعده الى ابنه حور سا ايزيس ، الذي أتبع منهج والده ووضع إسمه داخل الخرطوش الملكي ، وبهذا تمكن شيشنق الثاني من أن ينقل منصب كبير كهنة أمون الى أحد أبناءه ، وليس الى أحد من أبناء الملك الحاكم كما كان متبع

وبعد وفاة الملك وسركون الأول إنتقل العرش إلى الملك تكلوت الأول ومنه الى الملك وسركون الثاني الذي عين أبناءه في الوظائف الهامة في الدولة .

وعلى الرغم من ذلك لم تستقر الأمور في الدوله وبدأ النزاع بين الفرعين الحاكمين ، الفرع الحاكم في الشمال الدلتا والفرع الكهنوتي في طيبة ، مما اضطر وسركون الثاني لإشراك أبنه تكلوت الثاني في الحكم ليضمن له وراثة العرش .

وكان تكلوت الثاني قويا ، فأستطاع الأنفراد بالحكم وفرض نفوذه على طيبة والدلتا ، ثم أتى بعده شيشنق الثالث الذي استطاع ان يستبعد الوريث الشرعي للبلاد وهو الأمير وسركون بن تكلوت الثاني .

ثم جاء (بيوباستس) باري باستت الذي اسس الأسرة الثالثة والعشرين ، حيث أستطاع تاسيس الاسرة ومركزها تل بسطة في هذه الفترة من الضعف والتفكك وأزدياد نفوذ حكام الأقاليم ، والتنازع بين الحكام وقيام الثورات ، وأستطاع ان يفرض نفوذه على غرب الدلتا ، وذلك في الوقت الذي يحكم فيه شيشنق في تانيس .

وبهذا اصبحت الدلتا تُحكم من بيتين حاكمين ، أحدهما في تانيس ، والأخر في تل بسطة ، أما طيبة المملكة الكهنوتية فكانت بعيدة عن أحداث الشمال .

ساد الضعف والأنهيار والتنازع بين قادة الجيش وكبار الكهنة في هذه الفترة حتى تمكن بيت ثالث في صا الحجر في غرب الدلتا من أن يؤسس الأسرة الرابعة والعشرين تحت قيادة الملك تف نخت .

وبهذا أصبحت تحكم مصر بيوت وعائلات مختلفة ، أحدهم في صا الحجر ، وأخر في أهناسيا ، وثالث في الأشمونين ، ورابع في تل بسطة ، وخامس في تانيس ، أما الصعيد فكانت تحكم من طيبة التي كانت بعيدة عن احداث الشمال ، وانفصلت النوبة عن مصر وتأسست مملكة نباتا ، واستمرت البلاد على هذا الحال من التفكك أيام الحكم الليبي حتى نهاية الأسرة الرابعة والعشرين .

وقد حاول تف نخت تجميع أقاليم مصر تحت رايته ولكن الملك النوبي بعنخي تمكن من القضاء على هؤلاء الحكام الضعاف وأسس الأسرة الخامسة والعشرين ، وتمكن ملوك النوبة من الاستيلاء على مصر كلها ، ولكن لم يحكم الملوك النوبيين مصر إلا بضع عشرات من السنين .

تولى بعد وفاة بعنخي عام 716 قبل الميلاد اخوه (شاباكا) ، وبعد وفاة شاباكا عام 702 قبل الميلاد تولى الحكم (ساباتاكا) وأستمر بالحكم 12 عاما ، و من بعده أخوه (طاهرقا) الذي حكم 26 عاما ، وهو من مشاهير هذه الأسرة ، لما قام به من أنشاءات معمارية في مصر والنوبة ، وخلف طهرقا الملك (تانوت أمون) 664 قبل الميلاد حتى وافته المنية في مدينة نباتا .

وأبان عهد الملك طهرقا كانت مصر تساعد الدويلات السورية والفلسطينية بقوات مصرية ونوبية ، وعندما علم حاكم دولة أشور (سنحريب) بذلك سارع بجيوشه الى منطقة الخطر لمهاجمة مصر لتدخلها في مستعمراته في سوريا وفلسطين ، ولكن أصيب جيشة بوباء الطاعون فعاد الى عاصمة بلاده .

وتولى الحكم بعده (أسرحدون) الذي قاد جيشه للقضاء على مصر ، وبالفعل اصبحت الدلتا تحت سلطانه ، وأكتفى بالحصول على الجزية من الصعيد ، ولكن المصريين لم يهدأوا فألتفوا حول نكاو أمير سايس ، لأستغلال عداء أسرته للأسرة الحاكمة النوبية

وبعد وفاة أسرحدون تولى أشوربانيبال عرش اشور ، وقاد حملة على مصر للقضاء على المصريين الذين قاموا بثورة على غزاتهم ، والقضاء على تانوت أمون ، الذي خلف طهرقا ، وبالفعل هزم تانوت أمون الذي فر الى بلدته نباتا ، وظل هناك حتى حانت منيته وبذلك انتهت فترة حكم الأسرة الخامسة والعشرين النوبية .

ثم بدأت الأسرة السادسة والعشرون ، ويعرف عهدها بالعصر الصاوي نسبة إلى العاصمة (صا الحجر) ، وأول ملوكها (بسماتيك) إبن الملك نكاو .

قد حمل بسماتيك الأول راية الجهاد لطرد الغزاه من مصر ، وكان لتحالفه مع جيجيس ملك ليديا في اسيا الصغري أكبر الأثر في تحقيق ذلك ، فبعد أن اصبحت الدلتا في قبضة بسماتيك بدأ يوجه اهتمامه الى الصعيد ليضمه لمملكته ، فأرسل إبنته الكبرى نيت اقرت (نيتوكريس) الى طيبة لتصبح إبنة بالتبني للزوجة الألهية لأمون الكاهنة (أمنرديس) إبنة طاهرقا ، والتي تولت بعدها هذا المنصب تحت إسم (شب ان أوبت) ، وأصبحت الزوجة الثالثة لأمون ، وبهذا المنصب الديني أصبحت مساوية للفرعون .

وبتوحيد مصر بدأ بسماتيك عصرا جديدا ، فقام بأصلاحات عديدة ، وعاد المصريون الى عصور الازدهار والرقي واستعادوا جزءاً من حضارتهم القديمة ، ثم مات بسماتيك بعد ان حكم مصر حوالي 54 عاما .

وحكم نكاو الثاني بن بسماتيك حوالي خمسة عشر عاما ، ثم أتى بعده أبنه بسماتيك الثاني و حكم حوالي ست سنوات ، ثم (واح أب رع) أبريس الذي حكم تسعة عشر عاما ، وأستنجد به الليبيون ليحميهم من التوسع الأغريقي ، فأرسل جيشا من المصريين بقياده احمس الثاني، ولكن اُبيد اغلب جنود المصريين ، مما أدى الى ثورة المصريين ضد ابريس وبايع الجيش احمس الثاني ، وبالفعل انتصروا على ابريس وقتلوه .

وحكم بعده أحمس الثاني ، وأستمر حكمه حوالي 44 سنة ، وقام بالتوفيق بين الجنود المصريين والأغريق ، واعطى للأغريق مدينة نقراطيس لتنصبح مدينة اغريقية بمعنى الكلمة ، وأستقرت البلاد في عهده حتى مات .

وتولى بعده اخر ملوك هذه الأسرة وهو بسماتيك الثالث ، الذي لم يزيد حكمه عن عامين ، وهجم في عهده الملك الفارسي قمبيز على مصر 525 عام قبل الميلاد ، وهزم المصريين عند بلوزيم (تل الفرما) ، وأسر بسماتيك الذي فضل الأنتحار على الخضوع للغازي الفارسي ، وبذلك انتهت الأسرة السادسة والعشرون .

أصبحت مصر تحت الحكم الفارسي ، وبدأت الأسرة السابعة والعشرون بالملك الفارسي قمبيز ومعه سبعة ملوك من الفرس ، أتى بعد قمبيز أبنه دارا الأول ، لكن المصريون كانوا يتحينون الفرص للتخلص من نفوذ المستعمر الفارسي ، وبالفعل قاموا بثورة ضد الملك دارا عندما كان يستعد لقتال الأغريق ، ونجحت هذه الثورة في القضاء على نفوذ الفرس في الدلتا ، وصمم دارا على قتالهم ولكن المنية عاجلته .

وجاء بعده أبنه أكسركسيس الأول وعد جيشا وأسطولا لإخماد الثورة في مصر ، ونجح في مهمته وعين اخاه حاكما على مصر لينفذ سياسته فيها ، وأغتيل أكسركسيس وخلفه أرتاكسركسيس ، وظلت مصر في عهده مشتعلة بالثورة ، وتجمع المصريين تحت راية زعيم من الدلتا يدعى (اناروس) ، وتمكنوا من القضاء على جزء من الحامية الفارسية ، وتحالف امير الدلتا مع أثينا للقضاء على الفرس – العدو المشترك بينهم – وعندما مات أمير الدلتا أستمرت الثورة تحت قيادة زعيم اخر هو أمون حر ، ولكن أثينا تخلت عنه بعد الصلح الذي تم بين اليونان و الفرس ، ولكن لم يهدأ المصريون ، وظلت نيران الثورة مشتعلة ، الى ان تم تحرير البلاد وطردوا الغزو الفارسي .

إصبح أمون حر أمير سايس ملكا على مصر ، وأسس الأسرة الثامنة والعشرين ، وأتخد سايس عاصمه للحكم ، وأستمر حكمه حوال ست سنوات .

بعد وفاته حكم نايف عاو رود (نفريتس الأول) ، وأسس الأسرة التاسعة والعشرين ، وحكم حوالي ست سنوات ، وحكم بعده الملك هكر وأستمر حكمه حوالي سبع سنوات ، وتولى بعده ملكين ، حكم كل منهما مصر بضع شهور ، ثم أنتقل الحكم الى أسرة جديدة هي الأسرة الثلاثين .

أغتصب (نخت نب ف) نختنبو الأول عرش مصر وأسس الأسرة الثلاثين ، وكانت فترة حكمة حوالي 17 عاما ، وعاد الفرس في عهده لغزو مصر ، ولكن فيضان النيل اوقف تقدمهم وأنقذ مصر من العدوان ، وأشرك نختنبو الأول أبنه جد حر (تيوس) في اواخر ايامه في حكم مصر ، وانفرد بالحكم وتولى بعده ابنه نختنبو الثاني ، وحكم سبعة عشر عاما ، وتجددت في عهده اخطار الفرس بقياده الملك الفارسي أرتاكسركسيس الثالث (أخوس) ، وبالفعل انتصر الفرس وفر نختنبو الى النوبة .

ويمثل الغزو الفارسي الأسرة الحادية والثلاثين ، التي استمرت حوالي عشر سنوات ، ثم دخل الاسكندر الأكبر مصر سنة 332 قبل الميلاد ، وضمها إلى ملكه الواسع ، وهكذا ينتهي التاريخ الفرعوني علي يده ليحكمها بطليموس أحد قواده ، ومن بعد خلفاؤه فيما يعرف بالعصر البطلمى .

0 التعليقات:

Post a Comment