Friday, June 3, 2011

الجيش

الجيش

منذ تأسيس الدولة الفرعونية ومصر لها منظومة حربية دقيقة التنظيم ، وفي القاعدة يقوم الكتبة بمراقبة التجنيد وإدارة التعيينات وإسناد الوظائف ، وفي كل عصر كان الملك هو القائد الأعلى للجيش والقائد النظري للمعارك

لم يهتم المصريون في المملكة القديمة بفرض نفوذهم على جيرانهم ، ولم يبدءوا بأي غزو ، وعندما أرادوا إخضاع البدو وجمع الغنائم من الليبيين والنوبيين والفلسطينيين صدرت الأوامر إلى المحافظين بجمع الجنود من الريف من خيرة الرجال المدربين ، ومن رجال المستعمرات الحربية النوبية والليبية

أما القوات النظامية القليلة العدد فكانت تُستخدم عادة في المهام السلمية والأشغال العامة والتجارة ، وعلاوة على الفرقة المختارة المخصصة لحرسة القصر ، وشرطة الصحراء ، كان هناك كثير من وحدات الجيش تقوم بأعمال تهدف لتدعيم رهبة ملك مصر في قلوب الدول الأجنبية ، وجلب الأشياء التي كانت تزين الملك

وكان من يعرف اللغات البربرية يذهب إلى بيبلوس وإلى بونت وإلى أبعد جهات النوبة ليجمع المنتجات الأجنبية ، وأختص بعض أخر بنقل المعادن الثمينة من الصحراء الشرقية وكان جيش الدولة القديمة يضُم قواتاً دائمة لها مهام خاصة ، تضاف إليها قوات أخرى بالتجنيد عند الطوارئ ، وله قيادات متدرجة المراتب ، وإن لم يكن تدرجها ثابتاً كما لم يختلف كثيراً عن البحرية

ولهذا الجيش نظام ولكنه جيش قومي يخضع لأوامر وقوانين دقيقة تفرضها الحكومة ، وكانت فرق الحرس تقسم إلى صفوف كل منها عشرة رجال وتسير في طوابير منتظمة ، وكانوا ينقلون كتل الصخر بعد قطعها من المحاجر ، ولا تزال أسماء وحداتهم منقوشة على صخور الأهرام إلى يومنا هذا

كذلك كان النظام العسكري في الميدان صارماً فلم يُسمح لأي جندي بأن يضرب جنديأ زميله ، ولا أن يخطف منه رغيفه ، ولا أن يسرق ثياباً من أي قرية ، أو يسرق عنزة من أي شخص

عندما أستقل رؤساء الأقسام الإدارية في عصر الأضطراب الأول ، جندوا قوات مساعدة من البرابرة لأستعمالهم الشخصي ، ودربوهم على القتال ، وجندوا الشباب من أبناء مقاطعاتهم ، وهناك نماذج خشبية للجنود عُثر عليها في قبر أحد الأمراء في أسيوط ، تبين هيئة الجيش في ذلك الوقت وإن لم تؤد الحروب الإقطاعية إلى عسكرة المواطنين

كان الجيش ينقسم لقسمان هما رماحو المقاطعة والنبالون النوبييون ، ويتألف كل قسم منهما من 40 رجلاً في أربعة صفوف ، بكل صف منها 10 رجال ، يحملون تروسهم في أيديهم اليسرى ملاصقة لأجسامهم ، ويحملون في اليد اليمنى رماحهم قائمة ، ويثنون أذرُعهم عند المرافق ، وترتفع نصال رماحهم إلى إرتفاع باروكاتهم ، ويراعي النبالون السود البشرة النظام الذي يزود الجيش بأعظم قوته ويسير هؤلاء الجنود في أربعة صفوف متوازية ، بخطوات منتظمة تبدأ بالقدم اليسرى ، وفي خضم الحرب الأهلية تلاشى النظام القديم بتقنياته ومركزيته ، وتألفت جيوش أمنمحات وسنوسرت من المليشيات المحلية وجنود الملك الخصوصيين

أما الدولة الحديثة وهي عصر الفتوحات العظمى فكانت عصر الجنود المحترفين المنظمين بطريقة تكاد تكون حديثة ، فإن لم يقم الفرعون بقيادة العمليات الحربية بنفسه فإنه كان يشترك في مجلس الحرب ، ويسند القيادة العليا للجيش إلى قائد عظيم ، وكانت هناك مناطق عسكرية يشرف عليها ضباط مسؤلون

أضطلع المندوبون الملكيون في البلاد الأجنبية بعمليات أقل من هذه ، وكان الجنود أكثر لياقة في العرض العسكري ، ومدربين على أداء الحركات العسكرية بمجرد سماع صوت البوق ، فزادت الوحدة التكتيكية في أهمية المعارك والجنود المشتركين في القتال

تتألف فرقة المشاه من 200 رجل تحت إمرة حامل الواء ، وتنقسم الفرقة إلى أربعة أقسام بكل قسم 50 رجلاً وتسمى هذه الأقسام بأسماء طنانة ذات عظمة ، مثل "أمنحوتب يضئ كالشمس" و "رمسيس القوي الذراع" وما أشبه ، وكانت أعلامهم عبارة عن صور مثبتة في أطراف سيقان من الخشب ، وقد قسم الجيش إبان الحملات العظيمة للأسرة التاسعة عشرة إلى أربع فرق تحمل أسماء الألهة العظمى للدولة (أمون ، رع ، بتاح ، ست) ، ويتألف الجيش من قسمين هما المشاة وراكبو العربات ، والقسم الأخير أكثر ميزة من القسم الأول

ويُعطي ضباطه درجة كُتاب ملكيين وتقوم العربات بالهجوم الضخم أو بمساعدة المشاه ، في مجموعات صغيرة العدد ويتألف المشاه الكثيرو العدد من المصريين الذين أتخذوا الجندية حرفة ، والأسرى الذين كانوا يُدمَغون بالحديد الساخن فيصبحون من الجنود المرتزقين كالسودانيين والسوريين والفلسطينيين والبدو وأكثرهم من الليبيين ورجال البحر ، وخصوصاً "الشردن" المشهورين الذين قبض عليهم رمسيس الثاني بسيفه والذين أنقذوا الجيش في معركة قادش

وجدت بعض الكتابات تسخر من بؤس حياة الجندي منها النص التالي : (سُور راكب العربة المغرور لأنه باع ميراثه ليدفع ثمن عربته الفخمة ، ولكنه سقط من تلك العربة فضُرب ضرباً مبرحاً ، أما جندي المشاة فيؤخذ طفلا ويوضع في معسكر ، وتوجه ضربة موجعة إلى معدته ، ولطمة جارحة إلى عينه ، ولكمه مذهلة إلى حاجبه ، ثم يأتي السير إلى فلسطين والقتال في الصحراء ، فيُجبر على أن يحمل طعامه وشرابه فوق ظهره كالحمار ، ويضطر إلى أن يشرب الماء الأسن ، ولا يتوقف عن السير إلا ليقف ديدباناً للحراسة ، حتى إذا ما وصل العدو ، كان أشبه بعصفور وقع في شرك ، ففقد كل قوة في جسمه ، وعندما يعود إلى مصر ، يكون كقطعة من الخشب نخرها السوس ، فيمرض ويضطر إلى الرقاد ، ويرجع محمولاً فوق حمار ، فيجد ثيابه قد سُرقت وخادمه هرب)

أن هذه الصعاب القاسية لم تكن من قبل المبالغة ولكن المتعلمين ومنهم كبار الموظفين يعطون صورة قاتمة عن الجنود ليبرهنوا لتلاميذهم على صحة المثل القديم القائل أن حظ الكاتب خير من حظ الجندي ولكن إذا أصبح الشاب كفئاً لأن يكون إما راكب عربة أو كاتبا ، فإن المستحيل المفتوح أمامه هو الإدارة في المستعمرات والخدمة في البلاط والمهام الدبلوماسية ووظائف الكهنة العليا

والحقيقة أن للجندي العادي حظاً يُحسد عليه سواء كان من المواطنيين أو من البرابرة المعينين في الجيش ، فيتحلى بـ"ذهب الشجاعة" ، ويُكافأ بالغنائم ، ويُعفى من جميع الضرائب ، ويُمنح أقطاعاً من الأرض الخصبة ، وعلى ذلك يكون الجنود فئة محظوظة ، وأحدى دعائم الدولة الحديثة وبعد القتال يرتاح المشاة والفرسان ، ويستطيع الشردن والكيهت أن يعيشوا بسلام في مدنهم ، فتُحفظ الأسلحة في المخازن ، ويأكل الجنود مع زوجاتهم وأولادهم ، ويشربون كيفما شاءوا

ولما قوى الجيش سياسياً في نهاية الأسرة الثامنة عشرة أرتقى القائدان "حور محب" و "رمسيس الأول" العرش ، ومنذ ذلك الوقت انحدر الملوك من الجنود ، ولم يثقوا بالنبلاء ولا بالقوات الوطنية ، وأعطوا الأفضلية للضباط البرابرة وجنودهم الأجانب ، وفي بداية الألف سنة الأولى قبل الميلاد حكم الجنود المرتزقة الليبيون البلاد مع "شاشنق" ومنذ الأسرة السادسة والعشرين ، وثق الفرعون بمشاته الذين أحضرهم من بلاد الإغريق ، أكثر من ثقته بالطائفة العسكرية المصرية

0 التعليقات:

Post a Comment